الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير آيات الأحكام
.تفسير الآيات (2- 4): قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)}.شرح المفردات: الحمد: الثناء باللسان على الجميل من نعمة وغيرها، فيقال: حمدت الرجل على إنعامه، وحمدته على شجاعته، وهو كالمدح في ذلك، وأما الشكر فعلى النعمة خاصّة، ويكون بالقلب واللسان والجوارح، قال الشاعر:ربّ: يطلق في اللغة على معان: منها السيد المطاع، ومنها المصلح للشيء، ومنها المالك للشيء، يقال: رب الضيعة، ورب المال، قال صفوان لأبي سفيان: لأن يربّني رجل من قريش، أحبّ إليّ من أن يربني رجل من هوازن.العالمين: جمع عالم، والعالم جمع لا واحد له من لفظه، كالرهط، وهو اسم لأصناف الأمم، فكل صنف منها عالم، وأهل كل قرن منها عالم ذلك القرن، والأنس عالم، وكل أهل زمان فهم عالم ذلك الزمان، والجن عالم، وكذا سائر أجناس الخلق، كلّ جنس منها عالم زمانه. لذلك جمع فقيل: عالمون، ليشمل أصناف الأمم في كل زمان.وقيل: هو اسم لذوي العلم من الملائكة والثقلين. وقيل: كل ما علم به الخلق من الأجسام والأعراض.الدين: الجزاء، ومنه قولهم: كما تدين تدان، وقول الشاعر: وقرئ: مالك وملك. وإضافته إلى (يوم) على التوسع، كقوله: يا سارق الليلة أهل الدار.المعنى: مالك الأمر في يوم الدين.معنى الآيات: الثناء والشكر لله- دون ما يعبد من دونه- بما أنعم على عباده من الخلق والرزق وسلامة الجوارح، وهدايتهم إلى سعادة الدنيا والآخرة.ويجوز أن يراد من الرب أيّ معنى من معانيه الثلاثة المتقدمة. فهو السيد الذي لا يبلغ سؤدده أحد، والمصلح أمر خلقه بما أودع في هذا العالم من نظام يرجع كلّه بالمصلحة على عالم الحيوان والنبات. فمن شمس لولاها ما وجدت حياة ولا موت، ومن مياه بها حياة الحيوان والنبات، ومن أعضاء للغداء الذي به قوام الفرد، وأخرى للتناسل الذي به قوام النوع، وأخرى للسمع والأبصار، ومعنى ملك يوم الدين (4) أن لله الملك خالصا يوم الدين دون هؤلاء الملوك الجبابرة الذين كانوا ينازعونه العزة والجبروت في الدنيا، كما قال تعالى: {يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (16)} [غافر: 16].وأما تأويل قراءة: {ملك يوم الدين (4)} فكما قال ابن عباس: لا يملك أحد في ذلك اليوم معه حكما كملكهم في الدنيا {لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً} [النبأ: 38] {وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً} [طه: 108].وقد يخطر سؤال عند قراءة الفاتحة، وهو: أحمد الله نفسه؟ وأثنى عليها؟وعلّمنا ذلك؟ أم ذلك من قبل النبي صلّى الله عليه وسلّم أو جبريل؟ فإن كان الأول، فما معنى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} والله معبود لا عابد؟ فإن كان الثاني فقد بطل أن تكون الفاتحة كلام الله، والجواب: أن الفاتحة من كلام الله، وهي على معنى قولوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ...} وقولوا: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ...} فإن قيل: وأين قوله قولوا؟ قيل: إن العرب من شأنها إذا عرف السامع مكان الكلمة حذفها. واكتفت بدلالة ما ظهر من منطقها على ما حذف، كقوله: أي الميت وزير، فأسقط الميت إذ قد أتى الكلام بما يدل عليه. وإنما قال: الحمد لله دون أحمد الله أو حمدا لله، لأنه لو قال ذلك لدل على حمد التالي لله، مع أن الغرض أن جميع المحامد والشكر الكامل لله، وهذا هو ما يؤديه الحمد لله.وقال صاحب الكشاف: عدل بها عن النصب إلى الرفع على الابتداء، مع أن الأصل النصب، للدلالة على ثبات المعنى واستقراره. ومنه قوله تعالى: {قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ} [هود: 69] رفع السلام الثاني للدلالة على أن إبراهيم حياهم بتحية أحسن من تحيتهم، لأن الرفع دالّ على ثبات السلام لهم دون تجدده وحدوثه. .تفسير الآية رقم (5): قال الله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)}.نعبد: نذلّ ونخشع ونستكين، لأن العبودية معناها الذلّة، ومنها قولهم: طريق معبّد، أي: مذلل وطئته الأقدام، وذللته السابلة. وقولهم: بعير معبّد، أي مذلل بالركوب في الحوائج، وسمّي العبد عبدا لذلته لمولاه. وقال صاحب الكشاف: العبادة أقصى غاية الخضوع والتذلل، ومنه ثوب ذو عبدة، إذا كان في غاية الصفاقة وقوة النسج. ولذلك لم يستعمل إلا في الخضوع لله تعالى، لأنه مولى أعظم النعم، فكان حقيقا بأقصى غاية الخضوع.نستعين: نطلب المعونة، وقدم المفعول فيها ليفيد الحصر.المعنى: لك اللهم نذل ونخضع لا لسواك، وإياك ربنا نستعين على طاعتك وعبادتك، وفي أمورنا كلها، لا أحدا سواك، إذ كان من يكفر بك يستعين بسواك، وقد جرى في أول السورة على الغيبة، ثم عدل إلى الخطاب، وهو نوع من الالتفات ليكون أدعى إلى نشاط السامع، لأنّ نقل الكلام من أسلوب إلى أسلوب يوقظ النشاط، ويحرك الهمة للاستماع.
|